ما هي خرائط المراقبة؟
خرائط المراقبة (الضبط) Control Charts هي وسيلة أساسية لضبط العمليات إحصائيا Statistical Process Control. فباستخدام خرائط المراقبة يمكننا متابعة سير العمليات واستخدام علم الإحصاء لمعرفة ما إذا كان هناك تغير غير طبيعي في العملية. فهي تمكننا من التدخل المبكر جدا لتصحيح العملية وتساعدنا في تحديد سبب التغير. وهي وإن كانت مبنية على علم الإحصاء فإن استخدامها اليومي لا يحتاج لمتخصصين في الإحصاء بل هي وسيلة ينبغي أن يستخدمها عامل التشغيل نفسه.
افترض أنك مشرف إنتاج وتقوم بمتابعة العمل كل ساعة. وفي يوم من الأيام كانت نسبة العيوب في كل 100 منتج كالآتي: 3، 5 ، 1 ، 6، 7، 4. ما هو رد فعلك؟ ما هو الرقم الذي سيجعلك تتدخل للبحث عن السبب؟ هل مجرد زيادة النسبة من 1 إلى 5 يستدعي توقف الإنتاج حتى يتم تحديد سبب هذا الانهيار؟ ما هي مرجعية قرارك؟ هل 5 يعتبر رقم طبيعي أم لا؟ هل 7 يعتبر رقم مقبول؟ هل مستوى العملية قد تغير تغيرا ملحوظا أم لا؟ ثم هل يعتبر رقم 1 إنجازا أم لا؟ كيف ستحدد ذلك؟ في الحقيقة يصعب الإجابة عن هذه الأسئلة ولكن خرائط الضبط (المراقبة) تجيبنا عن ذلك.
خريطة التحكم هي خريطة تبين لنا القيمة المتوسطة للمتغير الذي نتابعه وكذلك القيمة الدنيا والقصوى. فعندما نبدأ في استخدام خرائط التحكم فإننا نجمع بعض العينات ونسجل القيمة المتوسطة لكل عينة للمتغير الذي نقيسه مثل طول المنتج أو قطره أو درجة الحرارة. بعد ذلك نحسب القيمة المتوسطة وبذلك نرسم أول خط في خريطة التحكم والذي يُمثل المتوسط. أما القيمة القصوى فيتم حسابهما بجمع المتوسط مع ثلاثة أمثال الانحراف المعياري. والقيمة الدنيا أو الحد الأدنى فيتم حسابه بطرح ثلاثة أمثال الانحراف المعياري من المتوسط. وسوف أبين كيفية رسم الخريطة بالتفصيل والتبسيط بمشيئة الله في مقالة تالية.
ما معنى القيمة القصوى والدنيا؟ افترض أن العملية التي نتابعها هي عملية مستقرة تنتج جودة مقبولة طبقا للمواصفات المطلوبة. وافترض أن التغير في قطر المنتج يتراوح بين 9.5 و 10.5. وافترض أن هذا المدى ثابت يوميا ففي كل يوم يتراوح القطر بين هاتين القيميتين فمثلا تكون النتائج: 10.1- 10.2 – 9.9 – 10.0 – 9.6 – 10.5 -9.8 – 9.5 – 10.3. فلو وجدنا في يوم ما أن القطر يساوى 10.6 أو 9.4 فإننا نستنتج فورا أن تغيرا خارج الحدود المعتادة قد حدث في هذه العملية وبالتالي فإننا نوقف العمل ونبحث عن السبب ونحاول علاجه. هذا هو المقصود بالقيمة الدنيا والقصوى ببعض التبسيط.
في الواقع فإن التغير يختلف من يوم لآخر فلا نستطيع تحديد مدى التغير على وجه الدقة ولكن باستخدام الانحراف المعياري فإننا نرسم الحد الأدنى والأقصى اللذَين يمثلان 95% من قيم المتغير. بمعنى أنه لو وقعت نقطة خارج هذه الحدود فإن ذلك يعني أننا متأكدين أن تغيرا غير عادي قد حدث ونسبة التأكد هي 95%.
وقد تكون القيم داخل المدى المحدد ولكننا نفهم من الخريطة أن هناك تغيرا غير طبيعي وذلك بسبب اتخاذ القيم لأشكال محددة سنناقشها لاحقا إن شاء الله. وفي نفس الوقت فإن القيم قد تتغير حول المتوسط صعودا وهبوطا في ما بين الحدا الأدنى والأقصى ونكون مطمئنين إلا أنه لا يوجد تغير غير طبيعي أي أن التغير هو نفسه التغير الطبيعي للعملية. وهذا ما يظهر في الشكل السابق حيث أن هناك تغيرات كثيرة ولكنها في الحدود الطبيعية للعملية.
وبالتالي فإننا نُوَقع النتائج على خريطة التحكم بشكل دوري فنستطيع أن نحكم ما إذا كان التغير يعتبر تغيرا عاديا أو بسبب مؤثر خاص. لاحظ أننا هناك نحكم على أن العملية ما زالت مستمرة بنفس التغير ولا نحكم على أنها مناسبة. ففي بداية التنفيذ ينبغي أن تكون العملية تحقق الجودة المطلوبة وإلا فإننا سنحافظ عليها في الوضع الخاطئ. فلو نظرنا للشكل أعلاه للاحظنا تغيرات كثيرة في قيمة المتغير الذي نقيسه والذي قد يكون زمن الخدمة أو بعد من أبعاد المنتج. وباستخدام هذه الطريقة ندرك بمجرد النظر أن العملية غير منضبطة إحصائيا فهناك تغيرات غير طبيعية مبينة بالنقاط الملونة باللون الأحمر والتي خرجت عن الحد الأدنى أو الأقصى. لذلك فإن علينا أن نبحث عن أسباب التغير غير الطبيعي في هذه العينات. هل استخدمنا مادة خام مختلفة أم أن المشغل كان قليل الخبرة أم تم تغيير طريقة العمل أم حدث انهيار لجزء ما بالماكينة أم …؟ أما التغير حول خط المنتصف وداخل الحدين الأقصى والأدنى فإنه أمر طبيعي ولا يستدعي أي تدخل.
فكما ترى فهي وسيلة مفيدة حيث أنها تعطينا تحذيرات مبكرة وتبين لنا ما إذا كان التغير مؤثرا أم لا. لذلك فإن خرائط المراقبة أو الضبط قد شاع استخدامها.
خلفية تاريخية:
تُعزى نشأة خرائط المراقبة إلى ولتر شوهارت Walter Shewhart في العشرينيات من القرن الماضي حيث كان يعمل في شركة بل Bell Labs للاتصالات. وقد كان هناك حاجة لتقليل العيوب في أجهزة الاتصالات التي تنتجها الشركة. وقد صاغ د. شوهارت التغير في صورة تغير طبيعي وتغير غير طبيعي (خاص) ثم اقترح خرائط التحكم كوسيلة للتفريق بينهما ولمتابعة التغير والتدخل لإعادة العملية إلى طبيعتها. وقد ساهم إدوارد دمنج Edward Deming في نشر هذا الأسلوب في عدة شركات بالولايات المتحدة ثم بعد الحرب العالمية الثانية ولعدة عقود في اليابان التي تبنت أفكاره وطبقتها بكل جدية. ولذلك فإن الضبط الإحصائي للعمليات باستخدام خرائط التحكم هو أحد الأدوات التي تستخدم في نظام تويوتا الإنتاجي.
الاستخدامات:
لعلك استنتجت مما قرأت حتى الآن أن خرائط الضبط (المراقبة) هي وسيلة تستخدم في العمليات التصنيعية فقط. في الواقع إن هذه الوسيلة تستخدم في شتى المجالات فهي تستخدم في متابعة الأداء سواء في المصانع أو المؤسسات الخدمية. وهي تستخدم لمتابعة أداء العمليات اليومية وكذلك تحليل أداء المؤسسة. وهناك مؤسسات عربية تستخدم خرائط الضبط كجزء من العمل اليومي. فيمكن أن ترسم خرائط ضبط لأبعاد المنتج أو لعدد الأخطاء أو لجودة المادة الخام أو لزمن العملية أو لدرجة رضا العميل عن الخدمة أو لحجم المبيعات أو وقت الانتظار أو عدد شكاوى العملاء أو سرعة الاستجابة أو غير ذلك.
بعد أن تعرفنا على هذه الخرائط المفيدة فإننا نستكمل الرحلة في المقالات التالية إن شاء الله ونتعرف على أنواع هذه الخرائط وكيفية بنائها وكيفية قراءتها.
من مراجع المقالة:
مفهوم خريطة المراقبة – د. محمد عيشوني
Operations Management, Russel & Taylor, 3rd Edition, Prentice Hall, 2000
Competitive Manufacturing Management, Nicholas, 1998, Irwin/McGraw-Hill
Lean Six Sigma Pocket ToolBook, George at al., McGraw Hill, 2005


